نقلا عن هسبريس المغربية
يتناول كتاب “شغف وإرادة” لمحمد عبد الرحمان برادة قضايا صحفية وثقافية تؤرخ لمسار أشهر ناشر وموزع للصحف الورقية في المغرب منذ الاستقلال، وذلك قبل مجيء عصر الأنترنيت والرقميات، الفاعل الثوري الجديد في هذا المجال. محمد عبد الرحمان برادة هو صاحب شعار “جريدة لكل مواطن”: الشعار الطموح الذي كان أطلقه عند تأسيس أول شركة وطنية لتوزيع الصحف في سبعينيات القرن الماضي، وهي شركة “سابريس” أو “مغامرة العمر”، كما يحب أن يلقبها. مغامرة لقيت نجاحا كبيرا سمحت بطي صفحة مهمة في تاريخ التبعية للرأسمال الصحفي الفرنسي، وجعلت الرجل يحظى بالتقدير في أوساط المهنة لمساهمته في تطوير قراءة الصحافة والكتاب في المغرب، بحس مهني وإنساني، وسمحت له أيضا بدخول “جمعية أصدقاء غوتنبرغ الفرنسية” المهتمة بقضايا الكتاب والنشر والقراءة.
الكتاب هو بمثابة سيرة ذاتية مهنية بالأساس لا تتناول الجوانب الإنسانية إلا قليلا. وهو يؤرخ، في حوالي 300 صفحة، بالنص والصور (ثلث الكتاب)، لأبرز الأحداث والرجالات الذين صنعوا جزءا من تاريخ الصحافة والكتاب بالمغرب على مدى ستين سنة. وهو أسلوب في السيرة يحمل ضمنيا رؤية خاصة للتاريخ الراهن، حسب تعريف عبد الأحد السبتي، ولبعض إشكالياته المطروحة حاليا.
وجدة (مدينة المولد في 1941)، والقاهرة، وباريس والدار البيضاء.. هي إحدى أبرز المحطات التي ميزت مسار الكاتب الذي انطلق من مجال التعليم كأستاذ للعربية بالمدارس الفرنسية، ودخل بعدها إلى عالم الصحافة، ثم إلى النشر والتوزيع، ليشتهر محمد عبد الرحمان برادة كناشر بالدرجة الأولى. مساره يختلف نسبيا عن مسارات النخبة الصحفية المغربية لمرحلة ما بعد الاستقلال، وخاصة تلك التي ارتبطت بالثقافة الفرنسية. فهو تلقى جزءا من تكوينه الصحفي في فرنسا، إلا أنه ارتبط أيضا بالمشرق العربي عندما ذهب إلى القاهرة للدراسة والعمل والزواج.
سمح له مساره بلقاء عدة شخصيات سياسية. والكتاب يكشف، على هذا المستوى، إحدى مظاهر التنخيب السياسي وطابعه الجغرافي بالمغرب. ومن بين تلك الشخصيات من أبناء الجهة الشرقية نجد على سبيل المثال: وزير الخارجية السابق صلاح الدين مزوار، والزعيم الاتحادي المغتال عمر بنجلون، والمستشار الملكي الراحل عبد العزيز مزيان بلفقيه… وفي نفس السياق، يتوقف الكاتب عند شهادته على فترة إشرافه على إصدار كتب معروفة مثل: “ذاكرة ملك” حول مسار الملك الراحل الحسن الثاني.
كان محمد برادة شاهدا أيضا، بالخصوص، على تحولات وصراعات السلطة التي كانت الصحافة في قلبها بعد الاستقلال. استطاع أن يحصل على دعم أحزاب المعارضة في 1977 وهي آنذاك: حزب الإتحاد الاشتراكي، وحزب الاستقلال، وحزب التقدم والاشتراكية من أجل تأسيس شركة “سابريس”، والمساهمة في رأسمالها بنسبة 90 في المائة لتوزيع صحف تلك الأحزاب، وهي صحف: “المحرر” و”البيان” و”العلم” التي ما تزال تصدر إلى اليوم. وكانت صحف تلك الأحزاب تراهن على منافسة الصحف المقربة من السلطة آنذاك، ومن بقايا الاستعمار الفرنسي التي كان من أبرزها صحف “ماس” (جرائد “ماروك سوار” و”لوماتان”) التي كانت في ملكية المستثمر الفرنسي “ماس”، ثم انتقلت إلى ملكية الدولة.
الكتاب لا يتضمن تفاصيل أو معطيات جديدة عن تلك الأحداث المؤسسة للصحافة بالمغرب، بحيث يطبعه نوع من الكتمان السياسي. كما لا يتناول جانبا أساسيا هو رهانات التحول الصحفي الرقمي، وإن كانت شهادات بعض الصحفيين في الكتاب تكشف أن محمد عبد الرحمان برادة له مواقف متحفظة من العشوائية، وعدم التقنين الذي يطبع هذا المجال حاليا.
تكمن أهمية الكتاب أيضا في إشاراته إلى قضايا حرية التعبير والأخلاقيات والنموذج الاقتصادي للصحافة.. خاصة حين يتحدث المؤلف عما يسميه “الحوار المؤجل” حول هذه القضايا داخل “نادي طنجة” للحوار الصحفي المغربي الفرنسي. وهي مبادرة “عاكستها الأقدار وبقيت حلما”، كما يقول عندما قام بتأسيس هذا النادي في 2006.